يعرف موقع التواصل الاجتماعي أونلي فانس بمحتواه الإباحي، وقد ازدهر خلال الوباء. ولكن يكشف تحقيق أجرته بي بي سي عن ممارسات بالموقع تراوحت بين تلقي مقاطع فيديو إرهابية إلى إساءات عنصرية وتهديدات بالاغتصاب، ويستند التحقيق إلى تجارب عشرات النساء، ويكشف عن مخاوف بشأن هيكلة وإدارة هذا الموقع الذي ينطلق من بريطانيا.
تحذير: تحتوي القصة على مواضيع ولغة للكبار
عاشت تينا بين في سيارتها لمدة شهرين عندما بدأت في بيع صور عارية لها على أونلي فانس.
وكانت الشابة البالغة من العمر 22 عاما قد طُردت من المنزل بعد "معركة كبيرة"، وقضت معظم الصيف الماضي نائمة في مواقف للسيارات في حر مدينة فينيكس القائظ بولاية أريزونا الأمريكية.
وكان كل معارفها يجنون "الكثير من المال" من ذلك الموقع وتقول: "لذلك، كنت مثل من يقفز الى القارب لينال نصيبه".
إنها واحدة من ملايين من صانعي المحتوى على أونلي فانس الذين يشاركون الصور ومقاطع الفيديو مع المشتركين مقابل رسوم شهرية. وفي المقابل، يأخذ الموقع 20 في المئة من أرباحهم.
ويمكن لصانع المحتوى نشر مجموعة من المحتويات تتراوح بين مقاطع الفيديو الخاصة بالجمال إلى مقاطع الفيديو الخاصة باللياقة البدنية، ولكن الموقع معروف على نطاق واسع بالمواد الإباحية.
وسرعان ما حققت تينا أرباحا بلغت ألفي دولار شهريا، وباتت قادرة على استئجار شقتها الخاصة.
لكن في يناير/ كانون الثاني الماضي استولى أحد القراصنة على حسابها، وابتزها بمبلغ 150 دولاراً، وحمل مقاطع فيديو إرهابية لتنظيم الدولة الإسلامية.
وتصور اللقطات، التي شاهدتها بي بي سي نيوز وتحققت منها، أشخاصا محتجزين كرهائن في مستودعات، أو يركضون في خوف قبل أن يُطلق عليهم الرصاص في الرأس.
وتقول: "لقد بدوا مرعوبين، حذفت مقطع الفيديو مراراً وغيرت كلمة المرور الخاصة بي، لكنني لم أتمكن من استعادة حسابي".
ثم أرسلا لشخص الدخيل رسالة الكترونية عشوائية إلى أكثر من 40 من معجبيها، واصفا إياهم بكلمة "الزنجي"، قبل أن يسرق كل صورها وينشرها على موقع إباحي.
وتقول تينا إنه بعد دوامة مضنية من الاختراق المتكرر لأكثر من شهر، أبلغت موقع أونلي فانس بذلك وقامت بتعطيل حسابها مؤقتا. لقد فقدت تينا الآن جميع المشتركين تقريبا، وهي تكسب 100 دولار فقط في الأسبوع إذا كانت محظوظة.
وقال موقع أونلي فانس في بيان بهذا الشأن إن الحساب لا يحتوي على برتوكول ثنائي المراحل للتحقق من هوية صاحب الحساب مما جعله عرضة للاختراق. وقالت الشركة إن تينا لم تبلغ عن التجاوزات العنصرية التي لم يكشفها نظام الفلترة بالموقع.
وأضاف أنه تمت الآن تحسين هذا النظام و"في ضوء هذه الحادثة بالذات" تم تحديث البروتوكولات لضمان مراجعة محتوى أي حساب تم اختراقه بالكامل قبل استعادته.
وأصبح موقع أونلي فانس ظاهرة ثقافية خلال فترة الوباء حيث دفعت عمليات الإغلاق الناس إلى الإنترنت لكسب المال وإنفاقه.
وقد أسس هذه المنصة رجل الأعمال تيم ستوكلي من إيسكس في عام 2016، وأصبحت واحدة من أسرع المنصات التقنية نموا في بريطانيا مع أكثر من 120 مليون مستخدم حول العالم.
وعزز دعم المشاهير للمنصة والمقالات حول النساء العاديات اللواتي يجنين مبالغ غيرت حياتهن من بيع الصور والفيديوهات العارية صورة الموقع، وفي العام الماضي بلغ إجمالي المبالغ التي تم تداولها عبر المنصة 1.7 مليار جنيه إسترليني.
ويسمح هذا الموقع غير المجاني للتواصل الاجتماعي لصانعي المحتوى بنشر موادهم مقابل رسوم اشتراك شهرية تتراوح من 4.99 دولارا إلى 49.99 دولارا. ويمكن لصانعي المحتوى زيادة أرباحهم من خلال مشاركة منشورات الدفع الحصرية وتلقي الإكراميات.
ويزدهر موقع أونلي فانس من خلال التفاعل العالي، ومن أهم عناصر جاذبيته أنه يمكن لصانعي المحتوى والمعجبين بناء علاقات مباشرة من خلال البث المباشر والرسائل الخاصة والطلبات الخاصة للصور ومقاطع الفيديو.
ويعد الكثير من محتوى هذا الموقع إباحيا، مما يكسبه سمعة أنه "موقع المحتوى الإباحي المدفوع"، ويجب أن يكون عمر المستخدمين 18 عاما أو أكثر للتسجيل.
لكن وراء ذلك التقديم المبهر يكمن واقع مختلف تماما بالنسبة للبعض. وتسلط تجربة تينا الضوء على ما يصفه صانعو المحتوى والخبراء الرقميون بالمشاكل البنيوية المتعلقة بكيفية تنظيم موقع أونلي فانس وإدارته ونظام الفلترة فيه.
أجرت بي بي سي مقابلات مع العشرات من صانعي المحتوى في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وشاهدت نسخا من الشكاوى والمراسلات مع أونلي فانس، ووجدت ما يلي:
• تم نشر مقاطع فيديو إرهابية وتهديدات بالاغتصاب وإساءات عنصرية على الموقع في العام الماضي في انتهاك لشروط الخدمة، بالإضافة إلى صور إباحية لطالبة تم تحميلها دون موافقتها.
• أثار خبراء حماية البيانات مخاوف بشأن أمان خادم الموقع على الانترنت بعد اختراق حسابات صانعي المحتوى أو تأثرهم بأعطال تؤدي إلى ظهور صور عارية للآخرين على حساباتهم.
• سياسة أونلي فانس المتمثلة في الإعادة التلقائية للمبالغ التي دفعها المعجبون بعد حظرهم يمكن أن تديم وتحفز إساءة الاستخدام، وفقا لصانعي المحتوى.
• قام الموقع الآن بتعديل عملياته حول إغلاق حسابات صانعي المحتوى بعد أن تساءلت بي بي سي عن سبب إغلاق أحد الحسابات دون تقديم تفسير مما أدى إلى استعادته.
وتقول منصة أونلي فانس صراحة في موقعها على الإنترنت أنها "غير مسؤولة" عن فلترة المحتوى، أو الكشف عن انتهاكات القانون أو سياساتها، والتي تتضمن حظر التحرش ومشاركة الصور غير القانونية أو غير التوافقية.
لكنها قالت لبي بي سي إنه على الرغم من أنها ليست ملزمة قانوناً بمراجعة المحتوى مسبقاً على المنصة، إلا أنها تتجاوز ما تتطلبه اللوائح الحالية باستخدام التبليغات الجماعية وبرامج الذكاء الصناعي للمساعدة في الحفاظ على سلامة المستخدمين.
وتقول الشركة إنها تقوم بتقييم أكثر من 300 ألف ملف صور أو فيديو يوميا، ولديها أكثر من 500 مشرف يقومون بالفلترة ويرصدون مدى الامتثال لسياسات الموقع. وأضافت قائلة إن كل محتوى يتم الإبلاغ عنه يتم مراجعته على أساس كل حالة على حدة.
وقال خبراء في المجال الرقمي لبي بي سي إن الذكاء الصناعي يمكن أن يكون غير موثوق به في المسائل الإباحية، وأن أونلي فانس بحاجة إلى مزيد من المشرفين لأن المحتوى الإباحي أكثر عرضة لقضايا إساءة الاستخدام أو انتهاك حقوق النشر.
ويقول مات نافارا، مستشار وسائل التواصل الاجتماعي: "إن الاختلاف مع أونلي فانس يتمثل في طريقة إنشاء هذا الموقع، فنظرا لنوع المحتوى، والمخاطر التي يُحتمل أن يمثلها على المستخدمين الأكثر ضعفا، تكون المخاطر أعلى، وبالتالي يكون مستوى المسؤولية أكبر أيضا".
"سأقوم بمطاردتك"
يبيع صانعو المحتوى في أونلي فانس الوهم تماما مثل ملايين مقاطع الفيديو المتوفرة مجانا على المواقع الإباحية. ومع ذلك، فقد اكتسب الموقع سمعة في وسائل الإعلام باعتباره موقع الفتاة الشقية التي تسكن في الحي، والتي يسهل الوصول إليها أكثر من الممثلات الإباحيات المحترفات.
ويمكن أن تكون الإكراميات مقابل المحتوى المخصص مربحة، وقالت تشارلي، وهي طالبة تبلغ من العمر 20 عاما، إنها تلقت طلبات تتراوح من 50 دولارا لمقطع فيديو لها وهي تتناول بيتزا، إلى 200 دولار لفيديو وهي تمارس العادة السرية بادوات جنسية.
وتقول فيكتوريا ماي، وهي أم لطفلين من نورثهامبتون: "لا يتعلق الأمر بشخص يبحث فقط عن مقطع فيديو سريع مثل موقع بورنهاب، وإنما الأمر يتعلق ببناء علاقات".
وقد تركت الشابة البالغة من العمر 31 عاما وظيفتها كمحاسبة متدربة قبل عامين من أجل بيع المواد الإباحية محلية الصنع على الموقع. وتقول إنها كسبت الآن أكثر من مليون جنيه إسترليني.
لكن ذلك لم يأتِ بدون صعوبات، وتقول فيكتوريا ماي إن وضع حدود لبعض "معجبيها"، الذين يدفعون 30 دولارا شهريا لمشاهدة صورها ومقاطع فيديو الإباحية لها، أدى إلى سيل من الإساءات وتهديدات بالاغتصاب والقتل.
وتقول إنه في الصيف الماضي هددها أحد المشتركين الذكور بالعنف بعد أن رفضت ممارسة الجنس معه، وبعث رسائل إلى حسابها في أونلي فانس، يقول فيها:
"أعلم أين تعيشين.
"سأقوم بمطاردتك.
"سأقتل أطفالك.
"سأغتصبك.
"سأجعل زوجك يراقبني وأنا ألحق بك الأذى، ثم سأقتلك.
"أتمنى أن يصاب جميع أفراد عائلتك بكوفيد ويموتون".
وعندما أبلغت فيكتوريا ماي عن تلك التهديدات، قالت شركة أونلي فانس إن "الرسائل الفظة" لا تنتهك إرشاداتها ولن يتم حذف حساب المشترك. ولكن بما أن الشركة تحصل على 20 في المئة من الأرباح، فقد شعرت فيكتوريا ماي أن من واجب الشركة اتخاذ إجراء.
التسريبات والقرصنة ومواطن الخلل
بالنسبة لمعظم صانعي المحتوى، فإن جاذبية الموقع تتمثل في أن الصور ومقاطع الفيديو مخفية وراء نظام دفع.
وتعد قرصنة المحتوى غير قانونية وتخالف شروط الاشتراك في أونلي فانس، لكن جميع صانعات المحتوى اللائي تم التحدث إليهن، تقريبا، قلن إن صورهن تم تسريبها وتداولها من قبل رجال في وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.
وقال البعض لبي بي سي إن صورهن تم إرسالها بشكل متعمد إلى أفراد أسرهن، أو أنهن تعرضن للابتزاز وأجبرن على تقديم صور وفيديوهاتهن مجانا أو قيل لهن إنه سيتم نشرها على الملأ.
ويقول هونزا سيرفينكا، المحامي البريطاني المتخصص في الاعتداء الجنسي القائم على الصور من مؤسسة ماكليستر أوليفاريوس: "يحس الناس بشعور زائف بالأمان بفضل نظام الدفع وأن المواد المعروضة خلف جدار نظام الدفع يظل هناك".