جنرال يعطّل الدستور، ويقيل رئيسا إسلاميا، تظاهرات ومجموعات متطرفة في سيناء…. وقائع من مسلسل رمضاني يروي قصة الصراع الذي شهدته مصر بين الجيش وجماعة الإخوان المسلمين في 2013، ويهدف الى “تثقيف” الجمهور، وفق ما يقول المعنيون.
بطل مسلسل “الاختيار” ذو الحلقات الثلاثين في جزئه الثالث هو الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. ويستعرض العمل الدرامي دوره عندما كان وزيرا للدفاع في حكومة الرئيس الإسلامي محمد مرسي الذي أقيل في الثالث من تموز/يوليو 2013.
وأشادت الكاتبة في صحيفة “الجمهورية” الحكومية سحر صلاح الدين بالمسلسل وغيره من “المسلسلات الوطنية”، معتبرة أنها تؤكد “نجاح الدولة في إعادة تشكيل وعي المواطن”، ومشيرة الى “رسالة” يتحوّل من خلالها النجوم الى “جنود في أرض معركة، الفن فيها هو أقوى سلاح، وهو قوتنا الناعمة”.
ومثل ملايين المصريين، تتابع الكاتبة بعد الإفطار مسلسل “الاختيار”، معتبرة أن “النجاح الذي حقّقه والتفاعل الكبير مع الشخصية (المحورية)، استفتاء جديد على حبّ الشعب لرئيسه”.
بلهجة هادئة ونظرة متأملة، يجسّد الممثل ياسر جلال شخصية الرجل القوي في بلد يبلغ عدد السجناء السياسيين فيه قرابة 60 الفاً، وفق المنظمات الحقوقية الدولية، ولم يعد فيه أي صوت معارض.
ويقلّد الممثل الرئيس المصري بشكل بارع الى حدّ أن انتقاد ياسر جلال يمكن أن يكلّف غاليا. فوفق “الجبهة المصرية لحقوق الانسان”، قرّرت النيابة العامة حبس المحامي نبيل أبو شيخة احتياطيا في 11 نيسان/أبريل بتهمة “الانتماء الى تنظيم إرهابي” و”نشر أخبار كاذبة”، بعد أن نشر على “فيسبوك” صورا مركبة تسخر من أداء الممثل ياسر جلال.
وتمّ محو هذه الصور من على حسابه في ما بعد، إلا أن آخرين أعادوا نشرها.
ولم تعلّق النيابة العامة نفسها على التوقيف، لكن الصحافة المحلية ذكرت أن التحقيق مع أبو شيخة يجري في قضية قديمة، من دون مزيد من الإيضاحات.
وكتب الكاتب المصري شادي لويس في جريدة “المدن” الإلكترونية أن “الأداء اللافت للممثل ياسر جلال يجلب أقساطا متساوية من الاعجاب والتهكم”.
وأضاف “المحاكاة حين تنقلب تقليدا، تختزل الشخصية الى مجرد عناصر محدودة صوتيه وحركية، عناصر شكلية ومباشرة وقشرية، تضحي مادة للنسخ والتكرار بشكل شبه آلي، ككل ما آلت اليه الماكينة الدعائية للنظام”.
وسبق أن قدمت السينما المصرية التي يطلق عليها اسم “هوليوود العرب”، أفلاما أبطالها رؤساء.
ففي العام 1996، عرض فيلم “ناصر 56” الذي يروي قصة تأميم جمال عبد الناصر قناة السويس. في العام 2001، تناول فيلم آخر حياة خليفته أنور السادات.
وقال أحد كتاب مسلسل “الاختيار” باهر دويدار في تصريحات نشرتها صحيفة “الوطن” الخاصة إن المسلسل سيكون “كتابا للتاريخ بعد 50 عاما”، علما أنه يتجاهل شخصيات كانت في قلب الاحداث عام 2013.
وتقول الصحافة المحلية إن الهدف من المسلسل “تشكيل وعي الأجيال الجديدة”، في بلد يشكل الشباب منذ 25 عاما أكثر من نصف سكانه البالغ عددهم 103 ملايين نسمة.
وتضيف التعليقات الصحافية أن المسلسل يجعل الشباب الذين لم يعيشوا أحداث العام 2013 على دراية “بجهود الدولة لحمايتهم من الإرهاب”.
في صيف ذلك العام، أطاح الجيش الرئيس محمد مرسي ثم فرّق أنصاره الذين كانوا يعتصمون في القاهرة ما أدى، وفق منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الى “أكبر مذبحة جماعية” في تاريخ مصر المعاصر.
وحرص السيسي نفسه على الإشادة خلال مأدبة إفطار مساء الثلاثاء “بمنتهى الدقة” في المسلسل الذي يروي، وفق ما قال، “ما حصل” في الواقع، مشيراً إلى أن الهدف منه “تسجيل ما حدث في تلك المرحلة بأمانة وإخلاص وشرف”.
أما المحامي خالد علي الذي يعتبر من أبرز شخصيات اليسار المصري، فاستند الى كلام السيسي ليعلن أن مكتبه تقدّم بوكالته عن المرشح السابق الى الانتخابات الرئاسية ضد مرسي، عبد المنعم أبو الفتوح، بطلب إلى القضاء لإعادة المرافعة في قضية يحاكم بها.
فقد تضمّن المسلسل سلسلة مقاطع فيديو يرجّح أن مصدرها أجهزة أمنية، يظهر في أحدها محمد مرسي نفسه الذي توفي في السجن عام 2019، وهو يحذّر وزير الدفاع السابق المشير محمد حسين طنطاوي الذي كان القائد الفعلي لمصر بعد الإطاحة بمبارك، من “موجة إضرام نيران” في حال عدم إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2012.
وأحال المحامي خالد علي على القضاء، بضع حلقات تتضمن تسجيلات فيديو حقيقية مرفقة بطلبه، لتكون “بمثابة دليل قاطع بالصوت والصورة (…) يوضح الإختلاف الجذري” بين عبد الفتوح وجماعة الإخوان المسلمين، و”كذب التحريات” ضده، وفق مكتبه.
وتترافق نهاية كل حلقة مع تسجيلات بالصوت والصورة يتحدث فيها قادة من الإخوان المسلمين في بعض قضايا الساعة آنذاك. وكان هؤلاء على الأرجح يعتقدون أن لقاءاتهم سرية.
في المقابل، تقدّم المحامي شريف جاد الله المعروف بولائه إجمالا للسلطات، ببلاغ الى النائب العام ضد الشركة المنتجة لمسلسل “الاختيار 3” ومخرجه بيتر ميمي، “وذلك لإذاعة مقاطع الفيديو الخاص بحديث محمد مرسي”، “لما في هذا المشهد من إضرار بالأمن القومي”.
واعتبر أن “هذا المقطع معناه الواضح المباشر أن رئيس الدولة المصرية (طنطاوي) يقوم بالتسجيل بالصوت والصورة لمن يجلس معه وهذا قطعا سيؤثر على علاقة مصر ورئيسها بضيوف الدولة الأجانب”، مضيفا “لذلك لا بدّ من تحقيق قضائي لمعرفة كيفية الحصول على هذا التسجيل، إذ إن أجهزة الدولة المصرية أذكى بكثير من أن تكون هي مصدر ذلك التسريب”.