هنا على سفح جبل القلعة يطل الزائر على الجوهرة زرقاء التي أسست على يد مولاي علي بن راشد ، لايواء مسلمي الأندلس بعد طردهم من طرف الإسبان سنة 1471
مدينة شفشاون أو كما يطلق عليها بغرناطة الصغيرة او كما اسميها أنا بمدينة قلبي، الجاثمة ما بين الجبلين، مدينة منازلها مصبوغة بالجير الأبيض والأزرق.
التي كل من زارها أسرته في زرقتها، تقول الروايات، إن لونها الأزرق يعود إلى الأندلسيين والموريسكيين الذين نزحوا إليها من الأندلس بعد تعرضهم للتطهير الديني والعرقي ضد غير المسيحيين. أرادوا أن يكون هذا اللون رمزاً للسلام والتسامح، ولم يكونوا يعرفون أنهم بهذا ساهموا في لقبها الحالي بـ«الجوهرة الزرقاء».
سحر قوي ينبعث من ساحة "وطاء الحمام" وسطالمدينة العتيقة المبلطة بالأحجار الملساء ،ويقال انها سميت بهذ الاسم لأنها قديما كانت مخصصة لمخازن حبوب المزارعين و بسبب ذلك كان يجتمع الحمام هناك لالتقاط الحبوب الزرع المنثورة هنا و هناك...
وعلى شرفة مقهي و الذي اعتدت احتساء "اتاي بزبلو "كما يطلق عليه سكان المدينة جلست اتمتع بالمنظر الأخاذ للمسجد الأعظم "طارق بن زياد" ذو الصومعة الثُمانية الأضلاع التي استلهمت هندستها من المنارة الدهبية "توري دي أورو" باشبيلية او كما يسميها المؤرخون المسلمون بالفردوس المفقود والذي يبدو انهم رمموه .
فعند النظر لمدينة شفشاون تجد انه يغلب عليها الطابع الأندلسي في عمرانها الذي يخبرك عن تاريخها مجيد .
. كما تطبعت القصبة وحدائقها المتواجدة في قلب المدينة العتيقة بهذا النمط المعماري الأندلسي والتي كانت مأهولة بالناس . أما أسوارها وأبراجها الأحد عشر والتي كان أحدها في الماضي يستخدم كحصن رئيسي تتحدث عنها و عن عبق تاريخها ، و لا يمكن لزائر شفشاون الا يتمتع بجمالية متحف إثنوغرافيا رائع الذي يعرض فيه لوحات فنية و بعض الصناعات التقليدية المحلية.
قمة المدينة وأعلى نقطة فيها، تسمى «رأس الماء»، حيث يصب منبع من داخل الجبل على شكل شلال تتوسطه ساحة واسعة يمر منها الماء. ملاذ رائع للاستراحة من مشقة المشي تحيط به أشجار التين والكرز والزيتون أظن على انه لا يجد مكان فوق الأرض يبعث الاطمئنان مثلهذا المكان.
وليس بعيداً عن «رأس الماء» يوجد جسر تعرض فيه النساء والرجال منتجات محلية الصنع، عبارة عن لوحات لرسامين محليين أو أزياء محلية، فضلاً عن إكسسوارات صغيرة للذكرى تصور المدينة بأشكال مختلفة ويمكنك هناك كراء اللباس التقليدي الشفشاوني لالتقاط صور به فقط بخمسة دراهم .و من مفارقات الغريبة في هذه المدينة الفاتنة المطاعم التي
تبيع الحساء "البيْصر"هي نفسها تبيع بعد الهدايا التذكارية الشيئ التي يبعث في نفس تساؤلا ما علاقتهما ؟
كلما زرت مدينة شفشاون أقول لعل سبب الذي يشدني لهذه المدينة هو لونها الأزرق لكن سحرها لا يقتصر على لونها فحسب، فهي تشتهر أيضاً بهدوئها وبطيبة أهلها الذين ورغم اختلاطهم بالسياح من جميع أرجاء العالم، مُتشبثون بطبيعتهم الجبلية الأصيلة "المضيافة" فاتحين بيوتهم لسياح قائلين "مرحبا و زيد قدام "
و معاملاتهم مع الغير أو في أزيائهم أو أسلوب حياتهم البسيط.
و يزيد من روعة المشهد فيها أن الأزقة الجبلية المتفرعة في جميع أنحاء المدينة الصغيرة لا تخلو من النساء «الجبليات» اللواتي يرتدين الزي الجبلي التقليدي الخاص بالمنطقة، وهو عبارة عن قبعة تقليدية واسعة من القش مزيّنة بالألوان، وثوب أبيض مخطط بالأحمر يتم لفه حول الخصر، وآخر ملون يوضع فوق الأكتاف.
فبرغم من جمالية المدينة نهارا الا انه في مساء عندما يكسو ظلام الأزقة و تخرج المدينة قناديلها و تضيئ عتمة الليل التي يطفي عليها جوا من الحميمية و الرومانسية الجميلة فتزيدها رونقا على رونقا فتسحر العين و تذيب القلب اشعر على انني جالسة في أفخم مطعم في عالم و استمع لأجمل سمفونية .
رغم كل ما كتب وما يكتب علي هده مدينة من مدحن لجمالها الا انه لم يوفي حق رونقها و سحرها الأخاذ . فالتجوال في هذه المدينة المقدسة التي حافظة على تاريخها بحدافيره و التملي بأجوائها هو أفضل طريقة للتعرف عليها و التمتع بمناظرها.
حسناء مصدق
