"المسألة لا تتعلق كلها بالديلدوات (الأعضاء الذكرية الاصطناعية) والمزلقات والنشوة الجنسية، بقدر ما أرغب لها أن تكون"، تقول لي الكاتبة والفنانة وأستاذة الثقافة الجنسية روبي رير.
تصريحها هذا إن تناولناه من دون سياق قد يعد بذيئاً وشهوانياً، أو تافهاً، أو حتى مضحكاً. إلا أننا كنا نناقش قرار ريشي سوناك الأخير القاضي بتطبيق الفقرة 35 من "قانون اسكتلندا 1998" والهادف إلى منع التشريع الاسكتلندي الجندري. إنها نكسة كبيرة للأشخاص عابري الجندر الذين يحاولون اكتساب الاعتراف بهويتهم وحقوقهم، لذا فإن الحديث لم يشكل مناسبة عظيمة للمزاح والفكاهة. "فالطريقة التي تستخدم فيها هذه المسائل لتحقيق مكاسب سياسية، هي طريقة خبيثة ومؤسفة للغاية" تقول رير متنهدة. "أعتقد أن الثقافة السائدة ستستحضر الأسلوب الذي كان يجري من خلاله التشهير بالعبور [الجندري] وبالأشخاص العابرين (جنسياً وجندرياً) قبل نحو 15 و20 سنة، وذاك يستدعي الخجل. لذا، بقدر أهمية أن يتعلم عدد أكبر من الناس عن طبيعة تكوين البظر، وأن يخضعوا لفحوص الأمراض المنقولة جنسياً، أرى أن الحفاظ على الأمل في سياق ما أقوم به يبقى بالغ الصعوبة. إلا أن ذلك يجعل ما أقوم به أكثر أهمية".
الجندر والجنسانية وأنماط العلاقات، مواضيع تطرح في كل مكان، ورير هي الخبيرة بها. كذلك من موقعها كـ "غير أحادية" (أي غير ملتزمة بشريك(ة) واحد(ة))، و"كويرية" (الذين يرفضون الهويات الجنسية التقليدية)، و"مرنة جندرياً" – إضافة إلى كونها أستاذة ومعلمة تثور النقاش الوطني في هذه القضايا الثلاث – فإنها تحتل المكان الأمثل لاستخلاص الروح غير الثنائية (أي المتعددة والمركبة) لعصرنا الراهن. لكن المرء إثر جولة مثيرة في حسابها الانستغرامي المزدحم، الذي تنتشر فيه الديلدوات ويسوده لون السكاكر الوردي (عدد متابعيها 84 ألفاً)، قد يخرج بافتراضات وتساؤلات كمثل: هل هي من المؤثرين؟ أم إنها شخص استثمر في ثورة ألعاب الجنس سنة 2020 عندما فرض الإغلاق، وبات مس الآخرين ممنوعاً على نحو مفاجئ؟ لا، ليس تماماً.
في البداية وقبل كل شيء، رير هي أستاذة كفوءة في "ثقافة الجنس والعلاقات" (أو ما يعرف بالإنجليزية بالـ relation and sex educator - RSE). وتشرح عن عملها فتقول إنه يتطلب "كثيراً من الحرفية العالية"، وتعتبر أن "كثيراً من الصحة الجنسية هو في العمق أمر غير مثير". كتابها "ثقافة جنسية: دليل للراشدين" Sex Ed: A Guide for Adults، كما مدونتها الصوتية "إن تاتش" (على صلة) In Touch، يخترقان في الحقيقة الخط الفاصل بين المقاربات الأكاديمية في المواضيع المذكورة، وبين اللعب وروحيته، فيلتزمان على الدوام جانب التفهم حين يناقشان مسائل الهويات المهمشة. حتى أن رير في منصة "بودي لوف سكيتش كلوب" Body Love Sketch Club، التي تمثل فضاء مناصراً للعري وإيجابية الجسد أسستها بالشراكة مع الفنانة روزي بيندلبايبي، تقوم دائماً بتذكير المشاركين بأهمية الحدود (الشخصية بين الناس)، وبأهمية الرضا (المتبادل)، والسلامة الشخصية. إذ إنها في نهاية المطاف خبيرة بما تقوم به، وقد بنت خبرتها طوال سنوات من التدريب والتجارب.
تجلس رير بحضن مقعد وثير في شقتها بـ مارغيت (بلدة في كنت، إنجلترا) التي تعيش فيها مع شريكها "غير الأحادي" أيضاً [أي غير الملتزم بعلاقة واحدة]، و"الكويري"، وفنان الكوميكس الشهير على "إنستغرام" وشبكة الإنترنت، أليكس نوريس. ويتوزع على رف المدفأة (في غرفة الجلوس) بيوت ألعاب "بولي بوكيت" وأعضاء ذكرية اصطناعية من سيراميك. أما الستائر المرقعة فقد طرزت بشعارات مناوئة "للثنائية" (أي تدعو للتنوع والتعددية الجندرية بما يتخطى الجنسين المعتادين، الذكر والأنثى). كما يتجسد في الشقة قوس قزح لانهائي مؤلف من حلى وشعارات وتحف ومجسمات مصنوعة من ورق تحتفي بالكويرية. قد توحي الأجواء بأبعاد كيتشية أو مبتذلة، لكنها في الحقيقة ليست كذلك. إذ إن أغراض رير الغريبة هذه تلخص اتجاهين مهمين في شخصيتها: الاتجاه اللعوب والمتعمق باللعب، والاتجاه الآخر المتمثل جوهرياً بتفانيها في عملها وتكريس نفسها له. ومن خلال شعرها الذي يميزها، الصادم بلونه الوردي الفاقع، تتراءى ابتسامة عريضة على ثغرها، وتقول: "في الحقيقة أحب فكرة معاملة السخف والسذاجة بجدية، ومعاملة الأمور الجدية بشيء من السخف والسذاجة. وهذه الأشياء (الموجودة في بيتها) كأنها تقوم بهذا الأمر على نحو جيد".
في العام الراهن ستظهر رير في "سكس رايتد" Sex Rated، السلسلة الجديدة التي يقدمها ريلان كلارك على القناة الرابعة (Channel 4). وتقابل السلسلة بريطانيين عازبين يتلقون آراء صريحة من شركائهم الجنسيين السابقين، تتعلق بميولهم وممارساتهم الجنسية، وبالجوانب التي ربما يخطئون فيها. آخ. هذه التجربة ستكون العمل الأكثر أهمية في مسيرة رير المهنية حتى اللحظة. لكن على رغم سعة اطلاعها (بهذه المواضيع) المؤثرة والطاغية، فإنها لا تخفي تساؤلها حول إن كانت كويريتها – البادية جزئياً عبر أسلوبها المرح المفعم بالحيوية ولبسها البراق – ستربك المشاهدين الأكثر تقليدية. "لدي شعر تحت إبطي، وحاجبين متصلين وأوشام فوضوية غريبة"، تقول. وتتابع "أشعر بشيء من الفضول تجاه احتمال أن يكون هناك مجموعة من الناس [ممن يشاهدون "سكس رايتد"] سيربطون ذلك [مظهرها] بشيء من القصور. لكني راغبة في أن أثبت أنهم على خطأ".
نسافر إلى ماضي رير المرصع بلحظات مؤثرة وحاسمة. ثقافة جنسية بمنتهى القصور (تلقتها) من أستاذ مادة الدين. تجارب كويرية (مرت بها) في مرحلة الطفولة حين كانت تفتقر إلى اللغة المناسبة لكشف النقاب عنها. شغفها بأيقونتها الكويرية، "مولان" Mulan [شخصية من شخصيات ديزني وهي الابنة الكبرى الجريئة والمفعمة بالحماسة لمحارب مقدام. قصتها تستند إلى فولوكلور صيني قديم]. والجامعة ("التي تمثل فعلياً وقتاً ضاع سدى"، وفق ما تقول). وسنوات الشعور بـ "الضياع". من ثم تجربة "برووك" (Brook)، وهي جمعية خيرية لنشر الثقافة الجنسية مقرها المملكة المتحدة. فقد قضت رير خمس سنوات في العمل معهم، فزارت المدارس، ولقنت صغار السن دروساً في "ثقافة الجنس والعلاقات" (RSE)، كما دربت أساتذة ومختصين يعلمون الثقافة الجنسية على قضايا اتخاذ قرار الحمل والبورنو والكويرية الشاملة. وقد اكتشفت بعملها مع الراشدين أن مضمون المواضيع التي تشتغل فيها، وعلى عكس ما كانت تتوقع، لم يتغير كثيراً. "أجريت ورشة عمل كبيرة عن البورنو للراشدين في هذا المهرجان، والأسلئة التي رحت أتلقاها كانت مماثلة لتلك التي تلقيتها من صغار السن"، تقول متذكرة. تضيف "في تلك اللحظة فقط قلت لنفسي ’آه حسناً، أنا جزء من جيل، وتحت أجيال سبقتني، حيث يقوم الجميع بممارسة لعبة اللقيطة‘. ولا أحد منا تلقى ثقافة جنسية نصف سليمة حين كان في سن أصغر".
في هذا السياق يجدر القول إن تعليم "ثقافة الجنس والعلاقات" بات إجبارياً في إنجلترا وويلز سنة 2020 وذلك على رغم معارضة جهات متدينة. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2022، جاء قرار قضائي من المحكمة العليا (البريطانية) ضد حملة أطلق عليها "حماية عامة للأطفال في ويلز" Public Child Protection Wales كانت قد وصفت دروس "الهوية الجنسية والجندرية بأوساط مجتمع الميم" بأنها دروس "منذرة" و"خطرة". وزعمت الحملة المذكورة أن هذه الدروس [تروج] لحياة شهوانية، ونظريات الاتجاهات الجندرية والجنسانية الجديدة". في الإطار، وعن مقاومة أو معارضة "ثقافة الجنس والعلاقات"، تقول رير إن مخاوف الكثير من الأهالي تنبع من رغبتهم في حماية صغارهم، وذاك أمر تثني عليه. لكن كثيرين برأيها لا يفهمون ما يجري تعليمه في الحقيقة. وهم بدل ذلك يتخيلون "السيناريو الأسوأ". تضيف: "كلما قمنا بزيادة لقاءتنا مع الأهل وشرحنا لهم ما نتناوله وأخبرناهم عن منابتنا وعن سبب اعتبارنا هذه المواضيع مهمة، تحسن الوضع. ومع تزايد تلك اللقاءات وتجاوز عدم وجودها، يتم خلق أرضية مشتركة".
أسأل رير إن كان هناك سن يعد سناً صغيراً جداً ومبكراً (أي غير مناسب) للشخص كي يتلقن "ثقافة الجنس والعلاقات". تجيب "لا أعتقد أن هناك سناً مبكراً لأي شخص كي يتعلم عن جسمه. [لكن] الطريقة التي تنقل فيها المعلومات، ومقدار المعلومات المطروحة، يعتمدان كثيراً على العمر [أي عمر المتلقي]. وهذا لا يتعلق فقط بما هو مناسب [لكل عمر]، بل أيضاً بالقدرة [على الاستيعاب)]".
كانت هناك دراسات عدة تشير إلى أن المناهج الوافية لـ"ثقافة الجنس والعلاقات" تدفع الشباب إلى تأخير تجاربهم الجنسية. في المقابل، وعلى نحو مماثل، فإن الغياب الكلي لـ"ثقافة الجنس والعلاقات" قد يؤدي إلى جعل البورنوغرافيا المصدر الأساسي للثقافة الجنسية. وتوضح رير "أنا من المعجبين جداً بالبورنو (لكن) هناك كثير من الأشياء التي تفتقر إليها أعمال البورنو السائدة".
اليوم تنجز رير كثير من أعمالها عبر الإنترنت. لكنها على رغم ذلك تبقى غير واثقة بوسائط التواصل الاجتماعي، أو ما يعرف بـ "الإنترنت منفلت العقال" – خصوصاً بعد أن تعرض حسابها على "إنستغرام" للحذف من دون سابق إنذار سنة 2018. وتشرح "أجد صعوبة كبيرة في نسيان أن الأشخاص الذين يصممون ويقفون وراء منصات التواصل الاجتماعي الضخمة تلك، يفتقرون إلى أهداف ومصالح الأوساط الإيجابية تجاه الجنس".
تضيف رير قائلة إن مضمون "ثقافة الجنس والعلاقات" الذي ينشر على "تيك توك" من قبل أشخاص مدربين متمرسين، أو من قبل مستخدمين لديهم خبرات احترافية، تبدو أيضاً خاضعة إلى كثير من الرقابة وليس فقط لعمليات الـ "كليكبايت" (clickbait، وهي عمليات تبليغ وإخبار عن مواد تتسم بالفضائحية)، ولإجراءات معاقبة الفيديوهات التي قد تنشر المعلومات المضللة.
"لا أعتقد أنهم يريدون الثقافة الجنسية على منصاتهم"، تقول، مضيفة "ما زال الناس غير مرتاحين في التحدث عن الجنس.
ثم يجري دفع صغار السن في خضم هذا الخليط من البشر، كما يجري دفع كارهي النساء والمرتابين من المثليين والمتحولين والعنصريين، بخضم هذا الخليط... إنه وقت مرعب للحديث عن الجنس والاستقلالية الجسدية".
وقبل أن أنصرف أسأل رير السؤال الذي كنت أتحرق لطرحه – السؤال الذي يخطر على بالنا عندما نلتقي بشخص غير أحادي (أي غير ملتزم بعلاقة مع شخص واحد). هل تشعر رير بالغيرة في لحظة ما؟ وبالتحديد عندما يقوم شريكها (أو شركاؤها) بمواعدة أشخاص آخرين ومعاشرتهم؟ تضحك.
إنه سؤال طرح عليها من قبل. وتقول "أشعر بالغيرة. لكني لا أشعر بتلك الغيرة المختلفة التي اختبرتها عندما كنت أحادية". ثم تتابع كي تصل إلى نصيحة صاعقة للأحاديين وغير الأحاديين بيننا، فتقول "الغيرة هي إحساس نخافه كثيراً، وأعتقد أن الخوف من الغيرة يأتي بضرر أكبر من الضرر الذي يأتي به شعور الغيرة الحقيقية. لأن الغيرة في الحقيقة هي إحساس انعدام أمان (عند المرء).
إن استطعنا تحديد المصدر الذي تنبع منه وسبب حصولها، بوسعنا إذ ذاك تحديد ما يمكننا فعله (بها)، أو ما يمكن أن نبادله للآخرين... ليس الأمر مخيفاً لهذا الحد".
أخط هذه الكلمات بحماسة شديدة (لأهداف مهنية طبعاً). وهنا ينتهي الدرس. أو أحد الدروس على الأقل.