في سابقة من نوعها يواجه غالبية الفنانين العرب في المشرق والمغرب انتقادات لاذعة وهجمات شرسة على وسائل التواصل الإعلامي كافة، بعد عودتهم بشكل تدريجي لممارسة أنشطتهم، سواء بإحياء سهرات فنية أو نشر دعايات وصورهم الخاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي، في ظل المجازر ما زال يتعرض لها الفلسطينيون يوميا في غزة.

ورغم حملات التضامن الرقمية للمشاهير عبر صفحاتهم الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي وبعض التبرعات لأهالي غزة، إلا أن غالبية النشطاء يعتبرون أن العودة إلى المظاهر الاحتفالية تعد عدم احترام للشعب الفلسطيني في المحنة التي يمر بها، بسبب الحرب التي يشنها عليه جيش الاحتلال الإسرائيل، والتي راح ضحيتها آلاف المدنيين الأبرياء من أطفال وشباب ونساء وشيوخ.

فقد سخر معلقون مما جرى مؤخرا في حفل تكريم الفنانين في الرياض، والذين آثروا كلهم الصمت القاتل، في وقت لم تبرد همة عدد كبير من نجوم العالم نصرة للحق ولغزة.

وقال أحدهم انتهى الفنانون العرب من جولات النضال والتضامن الصريح مع القضية الفلسطينية والتظاهر أمام سفارات العواصم الغربية. وهناك من اعتقد منهم أن الحرب على غزة انتهت وتوقّف شلّال الدم.

ويلفت الانتباه عدم ادلاء أي من الفنانين سواء السوريين أو المصريين بأي عبارة لو تأييد شكلي لأشقائهم الفلسطينيين أثناء حفل توزيع جوائز جوي في السعودية.

بينما يلعب معظمهم بطولات واهية في أعمال بائسة، ويقدّمون دراما تاريخية عفا عليها الزمن ويتناسون مجازر وقصص تشيب لها الولدان في غزة هاشم بشكل يومي!

فقد أعلن معظم نجوم لبنان حفلات منذ بداية هذا العام فيما يتحضر أغلبهم لإحياء عيد الحب في دبي وأبو ظبي وعواصم خليجية وعربية، وكأن الحب في العالم العربي فائض عن حاجاتنا اليومية. وقد أحيت الفنانة اللبنانية إليسا مثلا سهرة فنية في ألمانيا، حيث طلبت من الجمهور الحاضر الوقوف دقيقة صمت ترحما على أرواح الشهداء في فلسطين، لكنها لم تسلم من الهجوم والانتقادات، خاصة بعد انتشار مقاطع الفيديو التي توثق للحفل.

وخرجت عن صمتها لترد على المنتقدين، قائلة في تغريدة عبر حسابها الرسمي في موقع «إكس» إن الغناء مهنتها ومصدر رزقها، ولا يمكنها التوقف، مضيفة: «يعني إذا المهندس بيوقف الورشة والمحامي بيوقف مرافعة وصاحب المطعم بيوقف خدمة والمصرفي بيوقف تداولات ساعتها منوقّف شغلنا كلنا.. بعز الحرب كانوا الفنانين مستمرين لأنه شغلنا ورزقتنا وما رح نوقّف كرمال كم حدا فاشل وفاضي عم يحكي ما بقا حدا يزايد علينا بوطنيتنا ومواقفنا».

وفي الوقت الذي يستغرب الناشطون غياب نجوم سوريا الكبار والمحبوبين في العالم العربي كله عن أي تضامن مع أشقائهم في فلسطين، كان لافتا جدا أن يكون الفنان المصري محمد رمضان هو الوحيد الذي تذكر غزة هذا الأسبوع، وقال أمس إن مداخيل وأرباح جميع حفلاته في المنطقة العربية وخارجها سيتبرع بها لأهالي غزة كعربون تضامن ومساندة منه لهم، بسبب ما يمرون به من أزمات بعد «طوفان الأقصى».

وهناك من يرى أن الهجوم على إقامة الفنانين لحفلاتهم غير مبرر، لأن الحفلات ليست مصدر رزق للفنان وحده، بل أيضا هي مصدر رزق فريق عمل طويل عريض من مهندسي صوت وإضاءة، وفرق موسيقية وغيرهم. وما دام هؤلاء ملتزمين بالحفلات منذ أشهر، «فمن الصعب إلغاؤها أو تأجيلها، خاصة إذا كان الحفل كامل العدد والبند الجزائي المدون في العقد يتخطى المليون دولار».

ويبقى الأمل معقودا على جهور الفنانين في مختلف القطاعات باعتبارهم قوة ناعمة ومحبوبة لدى الجماهير العربية، وبالتالي وقوفهم مع أشقائهم في غزة هو أقل واجب يقومون به، وما دامت الحرب مستمرة، فلا عذر لهم بالتواطؤ، كما يفعل معظم القادة والسياسيين العرب، للأسف الشديد.