لا تكتمل زيارة المملكة المغربيةإلا بالحلول في مدينتها الحمراء مراكش (جنوب البلاد)، حيث تفوح رائحة التاريخ في كل مكان، وتسافر بك المآثر التاريخية عبر الأزمنة. وهناك، إذا سألت عن أهم مكان تجب عليك زيارته، سيدلك الجميع، وبدون تفكير، على «ساحة جَامْعْ لْفْنَا»، التي تقع في قلب المدينة العتيقة لمراكش، وتعتبر واحدة من أشهر الساحات والمعالم التاريخية عالمياً.
الساحة، المسجلة على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لـ«الْيُونِسْكُو»، يقصدها السياح من مختلف أنحاء العالم، ليعيشوا لحظات من الانبهار في فضاء لا يُشعَر فيه إلّا بالبهجة، وسط معرض واسع في الهواء الطلق، تؤثته مختلف أنواع العروض الاستعراضية والترفيهية والفلكلورية والفنية الشعبية المغربية، وتتوسطه وتحيط به عربات ومطاعم تقدم كل أصناف المأكولات المغربية التقليدية، وكذا محلات بيع التحف والأنتيكات والبازارات، حيث يمكن للزوار اقتناء تذكارات يوثقون بها زيارتهم إلى تلك المدينة الفريدة.
ويعود تاريخ إنشاء الساحة إلى الفترة ما بين سنتي 1070-1071 وفق التقويم الميلادي، وهو تاريخ تأسيس مدينة مراكش على يد الدولة المرابطية. وكان نشاطها يقتصر في البداية على العمليات التجارية، قبل أن تتحول إلى فضاء يختزن مختلف الفنون والتعبيرات الشعبية المغربية.
وتختلف الروايات حول أسباب تسميتها بـ«ساحة جامع لفنا»؛ فهناك من يربط «لْفْنَا» بـ«الفناء»، أي الفضاء الواسع، وهناك من يحكي «أن الساحة كانت تسمى سابقاً ساحة جامع الْهَنَا، نسبة إلى جامع الهناء، الذي كان الأمير السلطان مولاي أحمد المنصور الذهبي، سابع سلاطين المغرب من الدولة السعدية، بصدد بنائه، لكنه توفي قبل أن يكمله، فتحول اسمه إلى جامع الفناء، لتحمل الساحة الاسم نفسه منذ ذلك الحين»، بينما هناك من يقول «إن مدينة مراكش والساحة كانتا قد شهدتا مرض الطاعون، الذي توفي بسببه الأمير السلطان مولاي أحمد المنصور الذهبي نفسه، وعرفت مجموعة من الوفيات، وعَمَّ فيها الخراب، ما تسبب في تغيير اسمها من ساحة جامع الهنا إلى ساحة جامع الفنا».
تقدم الساحة، التي ظلت تَعُجُّ طوال سنوات بالمغاربة والسياح الأجانب ليلاً ونهاراً، وبدأت تستعيد نشاطها مؤخراً، بعدما شلها فيروس كوفيد-19، العديد من العروض الاستعراضية والترفيهية والفلكلورية والفنية الشعبية المغربية.
وتبقى «الْحَلْقَات» أشهر شكل فني شعبي يميز المكان، وهي تجمعات لمجموعات من زوار الساحة، يلتفون وهم واقفين بشكل دائري حول شخص أو مجموعة من الأشخاص، يقوم أو يقومون بحكي قصص تاريخية أو خيالية بأسلوب مشوق، أو يؤدون عروضاً كوميدية، أو عروضاً مثيرة رفقة الثعابين والأفاعي والقردة المروضة، أو نزالات ملاكمة، أو يغنون ويرقصون ويعزفون على الآلات الموسيقية، وغيرها من الأنشطة الأخرى، مقابل بعض الدراهم، التي يمنحها لهم المتفرجون.
وتصعب على زوار الفضاء مقاومة روائح الأكل الطيبة المنبعثة من عربات المأكولات، التي تملأ الساحة، ومن المطاعم المحيطة بها، والتي تقدم جميع أنواع المأكولات الشعبية في المغرب، وعلى رأسها «الطَّنْجِيَّة»، أشهر أكلات مدينة مراكش، إلى جانب «البَّسْطِيلَة»، والكسكس، والشواء، وغيرها، في حين يختار البعض الجلوس في المقاهي ذات الأدوار العلوية، لمراقبة الأجواء، التي يزداد سحرها في الليل، من أعلى، وأشهرها مقهى «أَرْكَانَة».
تذكارات الساحة
ولا تكتمل زيارة «ساحة جامع لفنا» إلا باقتناء تذكارات من تلك المعروضة للبيع فيها، والتي تتنوع بين مجسمات طينية لأشهر معالم المدينة التاريخية، كـ«صومعة الكتبية» المجاورة للساحة، و«الْمْنَارَة»، ومصنوعات من الفخار أو الحديد، تحمل اسم مدينة مراكش، أو رسومات لأبرز فضاءاتها، ومجوهرات فضية، وأحذية وحقائب وأكسسوارات جلدية، وألبسة وأحذية مغربية تقليدية، كـ«الجّلَّابَة المغربية»، و«الجَّابَادُورْ»، و«الْبَلْغَة»، وغيرها من التذكارات الأخرى، في وقت يختار فيه بعض الزوار أن يكون التذكار على أجسادهم، من خلال نقوش الحناء، التي تقوم بها سيدات في الساحة، على الأيدي، والأرجل، وحتى على الظهور.